سورة العنكبوت - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


فإياي فاعبدون: فاعبدوني. لنبوّئنهم: لننزلنّهم، بوأهم: أنزلهم منزلا حسنا. يؤفكون: يُصرَفون عن الحق. ويقدر: ويضيق.
بعد أن بيّن حال الجاحدين المكذّبين، وما يغشاهم من عذاب محيط بهم، لأنهم قد اشتد عنادهم وكثر أذاهم للمؤمنين، ومنعوهم من أداء عبادتهم- امره الله بالهجرة إلى دار اخرى حتى ينجوا بعقيدتهم.
ولما كانت مفارقة الأوطان عزيزة على النفس، بيَّن لهم ان المكروه واقع لا محالة، ان لم يكن بالهجرة فهو حاصل بالموت، وأنتم ايها المؤمنون، لا تستصعِبوا مفارقة الأوطان في مرضاة الله، فان أرض الله واسعة، ومدى الدنيا قريب، والموتُ لا بد منه، ثم مرجعكم إلى ربكم، وحينئذ تنالون من النعيم المقيم ما لا عينٌ رأت ولا أُذن سمعت، ولا خَطَرَ على قلب بشر، فهنالك الجنة {خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ العاملين}.
وقد بين الله هؤلاء العاملين الذي استحقوا تلك الجنات بقوله: {الذين صَبَرُواْ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}.
ولا تقلقوا على توفّر الرزق ولا تخافوا بعد مغدرة الأوطان، إن الله هو الكافي أمرَ الرزق في الوطن والقرية.
{وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا الله يَرْزُقُهَا...}
ان الله يرزق الجميع حيث كانوا، هو يسمع لهم، ويعلم حالهم، ولا يدعهم وحدهم {وَهُوَ السميع العليم}.
قراءات:
قرأ أبو بكر: {ثم الينا يرجعون} بالياء. والباقون: {ترجعون} بالتاء. وقرأ حمزة والكسائي {لنثوينهم} بالثاء، يعني لنقيمنهم، من: ثوى بالمكان: أقام. والباقون: {لنبوئنّهم} بالباء.
{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض وَسَخَّرَ الشمس والقمر لَيَقُولُنَّ الله فأنى يُؤْفَكُونَ؟}.
انهم يعترفون بأن الله هو خالق السموات والأرض والمسخِّر للشمس والقمر، وهم مع ذلك يعبدون سواه، فلماذا هذا التناقض؟! وكيف إذْن يُصرفون عن توحيد الله وعن عبادته، مع اقرارهم بهذا كله؟
{الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ...}
ما دام الخالقُ هو الله، فانه يوسع الرزق على من يشاء، ويضيق على من يشاء، حسبما يقتضيه علمه بالمصالح، {إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٍ}.
وان اقوال هؤلاء المشركين تخالف أفعالهم، فهم يقرّون بالوحدانية ثم هم يعبدون مع الله سواه، ولذلك يقول: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَحْيَا بِهِ الأرض مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ الله}
إنهم مقرّون بان الله هو الخالق، وهو الرازق، وهو مدبّر الكون، لكنهم انحرفوا وعبدوا غيره ولذلك يتعجب من أقوالهم ويقول: {قُلِ الحمد لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ}.
قل يا محمد، الحمدُ لله على اعترافهم بالحق، ولكن اكثرهم لا يَستعملون عقولهم، ولا يفهمون ما يقعون فيه من تناقض.


لما بين الله فيما تقدم ان المشركين يعترفون بان الله هو الخالق والمدبر لهذا الكون، ومع ذلك فانهم يتركون عبادته اغترارا بزخرف الدنيا وزينتها- بين هنا ان الدنيا وما فيها باطلٌ وعبث زائل، وانما الحياة الحقيقية هي الحياة الآخرة التي لا فناء بعدها، ولكنهم لا يعلمون.
ثم ارشد إلى انهم مع اشراكهم بربهم سِواه في الدعاء والعبادة، إذا هم ابتلوا بالشدائد كما إذا ركبوا البحر وعلتهم الامواج من كل جانب، وخافوا الغرق- دعوا الله معترفين بوحدانيته ولكنهم سرعان ما يرجعون بعد نجاتهم ويعودون سيرتهم الأولى.
{لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ يَعلَمُونَ}
لينكروا ما أعطيناهم من النعم، ويتمتعوا بلذّاتهم وشهواتهم، فسوف يعلمون عاقبةَ الكفر حين يشاهدون العذابَ الأليم. وفي هذا تهديد كبير لو كانوا يعلمون.
ثم يذكّرهم بنعمة الله عليهم باعطائهم هذا الحرمَ الآمن يعيشون فيه بأمن وسلام، فلا يذكرون نعمة الله ولا يشكرونها.
{أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ الناس مِنْ حَوْلِهِمْ؟}
لقد جعلهم الله تعالى في بلد آمن يعيشون فيه، يعظّمهم الناس من أجل بيت الله، ومن حولهم القبائل تقتتلُ وتتناحر، فلا يجدون الأمان الا في ظل البيتِ العظيم. وقد من الله عليهم بقوله: {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشتآء والصيف فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذا البيت الذي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}.
ثم بين ان العقل كان يقضي بأن يشكروا هذه النِعم، لكنهم كفروا بها فقال: {أفبالباطل يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ الله يَكْفُرُونَ؟}.
ولما وضحت الحُجة، وظهر الدليل، ولم يكن لهم فيه مقنَع- بين انهم قوم ظلمة مفترون مكذبون فقال: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افترى عَلَى الله كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بالحق لَمَّا جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ}.
ليس هناك أحدٌ أشدَّ ظلماً ممن نَسَب إلى الله ما لم يشرعه، أو كذّب بالدين الحق. ان مثوى هؤلاء واشباههم جَهنمُ وبئس المصير.
ثم يختم السورةَ بصورة المؤمنين الّذين جاهدوا في الله، واحتملوا الأذى، وصبروا ولم ييأسوا، الذين اهتدوا بهدى الله وساروا على الصراط المستقيم فقال: {والذين جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ الله لَمَعَ المحسنين}.
أولئك لن يتركهم الله وحدهم ولن يضيع ايمانهم، ولن ينسى جهادهم، وان الله لمعهم يعينهم ويؤيدهم بالنصر والتوفيق.
قراءات:
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: {لْيكفروا...ولْيتمتعوا}، بسكون اللام. والباقون: {لِيكفروا...وليتمتعوا}، بكسر اللام.

1 | 2 | 3 | 4